حسنا سأتحدث..!!
يمنات
ماجد زايد
يرغمونني على التجاوب معهم في معظم نقاشاتهم الفكرية والسياسية والعسكرية.. أصدقاء ينتمون بأشكال مختلفة للحوثي ، الصمت في حضرتهم يثير فيهم حساسية مفرطة تجاهي..
لا يجب عليك أن تصمت يا ماجد.. هيا تحدث إلينا.. إليست الحوثية هي خلاصنا؟! إليست الدين الصواب؟! هي إنقاذ العالمين؟! هي خط الدفاع الوطني الأول عن الارض والعرض والكرامة؟!
– لا شأن لي..
وفجأة يرتفع صوت أحدهم وبطريقة منتشية يقول لي: هيا إتحاكى وخرج الإمريكي من داخلك..
– لا شأن لي..
لا أدري لماذا يريدونني أن أتحدث..!!
لقد سئموا من أحايثهم فيما بينهم ، يريدون نكهة أخرى للجدال ، لا يريدون نقاشاً بقدر ما يبحثون عن جدالاً ينتج لهم نشوة في التغلب على الأخرين..
يستمر نقاشهم الروتيني اليومي فيما بينهم ، ملامحه وحدوده لا تذهب بعيداً ولا تتجاوز تأكيدات الحق الذي يحملونه معهم ثم يلعنون السعودية.. لعنها الله لقد فتحت المراقص والملاهي الإباحية ، هذه الدولة الشيطانية التكفيرية الملعونة زائلة على أيدينا.. هذه الدولة الوهابية تفتح مراقص وبارات والناس يحجون ، أي كفرٍ هذا..!! اللعنة عليهم ، يجب أن نقضي عليهم..
يشتد التذمر وترتفع اللعنات..
وقتها زاد تحمسي وقطعت صمتي وقلت لهم: الشكل الديني المتطرف في السعودية لا يعجبكم ، هذا مؤكد ، هم متطرفون وهابيون تكفيريون..!! ماذا أيضاً.. دولة الإنفتاح والمراقص والحانات السعودية لا تعجبكم أيضاً..!! هم نصارى منحرفون يمارسون الرذائل.. ماذا تريدون منهم أذاً ؟! حاربوهم عسكرياً سياسياً ودعوا الفكر والدين جانباً ، لا فرق في دوافع الدين والمذهبية بينهم وبينكم..
– ماذا تقول أيها الأمريكي..!!
هنا تكمن مشكلتكم ومشكلة الحوثي ، هو لا يريد سوى نفسه ، سوى فكره ، سوى مشروعة ، سوى قائدة ، هو لا يقبل حتى المعتدلين دينياً ، هو يراهم منفتحون خائنون للدين ، بقية المذاهب لا يعجبنه أيضاً ، لقد سجن البهرة وأقصاهم ومارس بحقهم الظلم والبهتان لمجرد أن فكرهم لا يؤمن بولاية أحد بعد النبي ، هذا الأمر يشرخ الأحقية والطهارة والإنتماء السلالي الذي يعتبر أساساً لمشروعهم ، هذه حقيقة الجماعات العنصرية بشكل عام ، في كل زمن ومكان ، سنية أو زيدية أو غير ذلك.. هم عنصريون لا يقبلون بأحد من خارج تنظيمهم المقرب ، أو ما يطلق عليه تنظيم الداخل ، أبناءهم وأقاربهم وسلالتهم الداخلية تشكل في كيانهم مركز التنظيم وسلطته وهم أصل الحق والولاية والصلاحيات ، صلاحياتهم مطلقة بحكم إنتماءهم الأسري العرقي ، بينما حلفاؤهم وقطيعهم ومن ينطوون في لحافهم يمثلون تنظيم الخارج في كيانهم ، هم بمثابة الغرباء ، بمثابة الآإنسان ، ومن هنا فالتضحية بهم باعتبارهم الآإنسان لا تصبح ممكنة فقط بل هي واجبة وتتخذ دلالة العمل النبيل للقضاء على الشر والسوء وإستتباب نعيم البلد الذي يمثله كيانهم العصبي..
هل أكمل الحديث يا أصدقاء..؟!
يهزون رؤوسهم بالموافقة..
هذه الأحقية والسلالية والعنصرية الحاصلة معنا في شكلها السياسي لا تكاد تتجاوز المعنى النرجسي المتعلق بالجوانب النفسية ، إنها سمة عنصرية تحتكر التقدير والإعتبار والإفتتان في الذات من خلال توظيف نزوة الحب داخلياً في كيانها ، مما لا يترك شيئاً للأخرين ، أو يبقي أقل القليل لمن هم خارجها ، هذه الطوائف والعنصريات أو الجماعات والسلاليات لا تسمح لأي كيان بتجاوزها ، إنها تكتفي بذاتها في كل الإعتبارات والمناسبات ، تدور حول كيانها وذاتها بنوع من الإفتتان النرجسي حتى الغرق ، تغتر وتعجب بحالها وأحقيتها تماماً كـ “نرسيس” في الأسطورة اليونانية .. إفتتن بصورة وجهه وجماله على الماء ، وغرق فيه بالنهاية ، هذه الجماعات السلالية والعنصريات الإثنية يزداد ميلها لإبتلاع الحيز المكاني والأخرين كلما تضخمت.. وهذا بالمقابل يعني تضخم عنصريات مناوئة لها ، عنصريات تسيطر على قطعة جغرافية وهوية خاصة وولاءات محصورة ، وهكذا يتحول الوطن الواحد الى مجرد وعاء شكلي معرض لشتى الأخطار الداخلية والخارجية ، ذلك أن قوة الوطن ومنعته تتوقفان على درجة إنصهار مختلف شرائحه وفئاته ضمن كيانه الذي يتجاوز كلاً منها.. وطن الفسيفساء ، الوطن الذي تكون العصبية فيه هي الأقوى ، وطن العصبيات المتوازية في القوة.